ندوات الإعجاز العلمي : السمكة الطبيبة ، لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
( سورة الذاريات ) .
السماء ، البرزخ ، النحل ، الأرض ، ظلمات الفضاء ، الكون ، النمل ، الكواكب ، دقة الإنسان .
التفكر في الخلق والكون
التفكر في الخلق والكون ، حوارات مع الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي أحد علماء دمشق ، يجريها عبد الحليم قباني .
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسولنا الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
إ خوة الإيمان والإسلام ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، الحمد لله الذي منّ علينا بنعمة الإيمان والعافية ، ويسر لنا دراسة العديد من آياته ، فكانت هذه الحلقات التي خصصناها بعلوم الكون التي تطرقت إليها عشرات الآيات القرآنية قبل أن تعرف الإنسانية شيئاً يذكر عن تلك العلوم .
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم يفسر لنا إلا آيات العقيدة والأحكام ، وبعضاً من الآيات العلمية في حقل العلوم المادية ربما ـ والله أعلم ـ التزاماً منه بقول الله سبحانه وتعالى :
( سورة القيامة ) .
شغلني فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق ، والخطيب والمدرس الديني في جوامع دمشق ، شغلني منذ فترة موضوع والتفكر فيه دون قراءة أمر صعب ، فاللإنسان طبيب وأدوية تداويه من أمراضه ، ولكن من هو الطبيب
للحيوانات ؟ مَن صنّفها ونوّعها كالأسماك مثلاً ، إلا أنني وجدت في كتابكم موضوعاً لفت نظري ، وهو تحت عنوان " السمكة الطبيبة " ، نتمنى أن تحدثنا عن هذا الموضوع .
الأستاذ :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ عبد الحليم ، اكتشاف السمكة الطبيبة له قصة ، فقد كان أحد علماء البحار يركب غواصة أبحاثٍ تحت سطح البحر ، من النافذة لفت نظره سمكة كبيرة خرجت من سربها ، واتجهت إلى سمكة صغيرة ، فتصوّر كما هي العادة أن هذه السمكة الكبيرة توجهت إلى الصغيرة لتأكلها ، ولكنه وجد أنها وقفت إلى جانبها ، وبدأت السمكة الصغيرة تأكل من حراشف الكبيرة ، سجل هذه الظاهرة ، وهنا بداية هذا البحث ، بعد عشرة أعوام تقريباً اكتشفت حقيقة رائعة ، هي أن هذه السمكة الصغيرة متخصصة في علاج أمراض الأسماك كلها ، وكأن عهداً وميثاقاً غير مكتوب بين أسماك البحر يقرر أن هذه السمكة الصغيرة المتخصصة في مداواة أمراض السمك الخارجية لا ينبغي أن تؤكل ، لذلك أجريت بحوث كثيرة ، وتتبع العلماء مواطن هذا السمك الذي أعطوه اسماً خاصاً ، هذا السمك جعل الله عز وجل غذاءه على التقرحات والانتانات والطفيليات والفطريات التي تتوضع على حراشف الأسماك الكبيرة ، فالأسماك الكبيرة تتجه إليها لتعالجها من أمراضها ، وكأن هناك عرفاً وامتناناً ، كيف أن سيارات الإسعاف إذا رسم على سقفها الهلال الأحمر ، معنى ذلك أن تكون هذه السيارة في مأمن من القصف الجوي ، لأنها تقوم بمهمة إنسانية ، تماماً في عالم البحار ، هذه السمكة الصغيرة التي جعل الله غذاءها على تقرحات الأسماك وإنتانات حراشفها والطفيليات والفطريات ، وكأن هناك عرفاً في هذه البحار أن هذه السمكة الصغيرة لا تؤكل لأنها طبيبة وتقوم بمهمة إنسانية .
إن في بعض الحالات الغريبة التي سجلت وصوِّرت أن سمكة كبيرة كانت تشكو قرحة في فمها ، فإذا بها قد فتحت فمها ودخلت هذه السمكة الممرضة الطبيبة آمنة مطمئنة لتعالجها من هذه القروح ، وفي الوقت نفسه هاجمت هذه السمكة التي تعالج هاجمتها سمكة أكبر منها لتأكلها ، فما كان منها من السمكة المعالجة ، وفي فمها سمكة طبيبة ، إلا أخرجت هذه السمكة التي تعالجها وولّت هاربة .
( سورة طه ) .
ما هذا العرف ؟ ما هذا العقد الذي بين الأسماك ؟ ما هذا الميثاق ؟ ما هذا القانون المتبع في كل أنحاء البحار ؟ إن هذه السمكة التي خلقها الله مزودة بمنقار دقيقٍ دقيق يصل إلى أدق الثنايا ، وإن جهازها الهضمي يتقبل الفطريات والتقرحات والإنتانات ، وما شاكل ذلك ، وهو غذاء لها ، وإن هذه الأسماك الكبيرة تتجه إليها حينما تشكو من تقرحات بسبب ما يحدث بين الأسماك من احتكاك ، أو من معارك أحياناً .
أستاذ عبد الحليم ـ جزاك الله خيراً ـ الشيء الذي يلفت النظر أنه إذا كثرت هذه الأسماك أمام السمكة الصغيرة صفت بعضها وراء بعض ، وكأنها في نسق فيه نظام ، وفيه تحضر ، ليس هناك ازدحام ، ولا تزاحم ، ولا تدافع ، ولا سباب ، وقفت هذه الأسماك الكبيرة وقد سجلت هذه الصورة بضع عشرات من الأسماك تقف وراء بعضها بعضاً تنتظر دورها في المعالجة ، وقد تستغرق المعالجة دقيقة أو أكثر ، وتنصرف إلى سبيلها .
( سورة لقمان الآية : 11 ) .
مليون نوع من السمك من أعلمهم جميعاً أن هذه السمكة الطبيبة لا تؤكل ، ولا يعتدى عليها ، لأنها تقوم بمهمة نبيلة ، من أعلمها ؟ هل هذه الأسماك عاقلة ؟ إذاً هذه آية من آيات الله الدالة على عظمته .
نحن مكلفون بأمر تكليفي أن نتعاون ، لكن الأسماك بأمر تكويني تتعاون ، الإنسان مخير هو والجنّ .
( سورة الذاريات ) .
فنحن إذا كان هناك خلل في حياتنا لأن أمر اللهِ لنا أمر تكليفي ، أما بقية المخلوقات فمسيَّرون بأمر تكويني ، وهذا من عظمة المنهج الإلهي الذي بينه لنا النبي عليه الصلاة والسلام .
المذيع :
صلى الله عليه وسلم ، فضيلة الدكتور محمد ، ما دمنا قد بدأنا في حديثنا ، وفي هذه الحلقة بالذات عن السمك ، وبدأنها بالسمكة الطبيبة ، أيضاً رأينا من المواضيع الهامة التي تكلمنا عنها ، وكتبتم فيها عن سمك السلمون ، وحركة هذا السمك .
الأستاذ :
لعلنا في حلقة سابقة تحدثنا أنه حتى هذا التاريخ لم يستطع العلم أن يقدم تفسيراً لهجرة الطيور ، فهي تنتقل من شمال الأرض إلى جنوبها لمسافات تزيد على 17 ألف كيلومتر ، ولا أحد يعلم حتى الآن كيف تهتدي هذه الطيور إلى أهدافها ، كل النظريات التي وضعت تفسيراً لاهتدائها لم تؤيد إطلاقاً بالدليل القوي ، فكل هذه الفرضيات ليست كافية لتفسير حركة الطيور ، واليوم نتحدث عن سمك السلمون ، وفيه أيضاً من هذا النوع تدل على عظمة الله عز وجل ، هذا السمك ، سمك السلمون له اسم آخر ، هو حوت سليمان ، هذه الأسماك حيرت العلماء ، بل عدُّوا هذا من المعجزات ، ولا تفسير لها إلا في ضوء القرآن ، لا تفسير لحركتها بين أقاصي الدنيا وبين أطرفها إلا بما قال الله عز وجل :
( سورة طه ) .
هذه الأسماك أسماك السلمون تولد في رؤوس الأنهار في أمريكة ، وأعني برؤوس الأنهار منابع الأنهار ، وتهاجر من هذه المنابع إلى مصباتها ، بعض هذه الأنهار كالأمازون كثافته في الثانية الواحدة 300 ألف متر مكعب ، بعض هذه الأنهار طويلة جداً ، مثل المسيسبي ، بعض هذه الأنهار غزيرة جداً كالأمازون ، فهذه أسماك السلمون تولد في رؤوس الأنهار ، أي في ينابيع الأنهار ، وتهاجر من هذه المنابع إلى مصبات الأنهار ، ومن مصباتها إلى نهاية المحيط الأصلي ، إلى شواطئ أوربا الغربية ، أي إلى سواحل فرنسا مثلاً ، ثم تعود هذه الأسماك من سواحل فرنسا إلى مصبات هذه الأنهار ، ثم إلى مكان ولادتها .
أستاذ عبد الحليم ، رُباّن يحمل دكتوراه في قيادة السفن ، معه أجهزة ، ومعه وسائل ، ومعه اتصالات ، معه بوصلة ، ومعه كل وسائل الإرشاد ، ومع ذلك قد يضل الطريق ، هذه سمكة في أعماق البحار تتجه من فرنسا إلى الغرب إلى أمريكا ، لو أخطأت في حركتها بزاوية واحدة لكانت في نهر ، وانتقلت إلى نهر آخر ، لو أخطأت في ثلاث درجات لجاء هدفها من شمال أمريكا إلى جنوب أمريكا ، هنا الآية المعجزة ، فهذه الأسماك تعود من سواحل فرنسا مثلاً إلى مصبات هذه الأنهار ، وإلى مكان ولادتها ، ولا يظن أن هذا كلام ، إن في هذا بحوثاً استغرقت عشرات السنين ، وهناك مركز بحوث وضع في الأنهار ، أحصى مليوني سمكة من نوع السلمون تعود إلى مسقط رأسها كل يوم ، من أين أتت ؟ من سواحل الأطلسي من سواحل فرنسا ، تعود إلى مسقط رأسها كل يوم ولمدة شهرين ، وكان بعض العلماء قد وضع عليه قطعة معدنية فيها تاريخ هجرته ، فلما عاد عرفوا مدة الرحلة .
أما السؤال الكبير الذي يحير العقول : كيف يستطيع هذا السمك أن يرجع من المحيط الأطلسي إلى مصب النهر ومنبعه ؟
مثلاً من باب الموازنة : طير في بيروت ، في أحد أحيائها ، في بيت عربي ، له عش في سقف هذا البيت ، يتجه من بيروت إلى جنوب إفريقيا ، في طريق العودة يعود إلى البيت الذي خرج منه ، لو أخطأ في الزاوية زاوية واحدة لأتى في بغداد .
السلمون هذا السمك فيه دقة بالغة جداً كالدقة البالغة التي عند الطيور ، لو أتينا بأحد علماء البحار ، وأركبناه قارباً ، وله عينان مبصرتان ، وقلنا له : اتجه ، وأنت على هذا القارب إلى مصب الأمازون ، هذا الإنسان العاقل المفكر لو كان عالماً كبيراً في علم البحار لا يستطيع أن يصل إلا بالخرائط والإحداثيات والاتصالات اللاسلكية ، وعناء كبير ، وأشياء كثيرة ، أما السمكة في باطن البحر وفي أعماقه ، لو أنها حاذت في زاوية انطلاقها درجة واحدة لجاءت في نهم آخر ، لو أنها حاذت ثلاث درجات لتغير مكان اتجاهها من أمريكا الشمالية إلى الجنوبية ، فكيف تستطيع هذه السمكة ، وهي لم تؤتَ ما أوتي الإنسان أن تعود من سواحل فرنسا إلى مصب النهر التي خرجت منه ، ثم تتابع سيرها في النهر نفسه ؟ وقد تصعد الشلال ، وهناك صور دقيقة أخذت لسمك السلمون ، وهو يصعد الشلال ليعود إلى مسقط رأسه ، فتولد وتموت هناك ، يجب أن تموت في مسقط رأسها ، قال تعالى :
وقوله تعالى :
( سورة الأعلى ) .
هذا يذكرني بآلية بالغة التعقيد تولد مع الغلام الصغير ، سماها العلماء منعكس المص ، لا يستطيع أب في الأرض أن يعلم ابنه الذي ولد لتوه كيف يمص الحليب من ثدي أمه ، طبعاً مستحيل وألف ألف مستحيل أن يستطيع أب أن يعلم ابنه كيف يلتقم ثدي أمه ، وكيف يسحب الحليب منه ، ينبغي أن يقول له لو أنه كبير وعاقل : ينبغي أن تحكم وضع شفتيك على حلمة ثدي أمك ، أن تحكم الإغلاق ، ثم أن تسحب الهواء ، فيأتي معه الحليب ، لولا أن هذا المنعكس ، مع كل طفل يولد لتوه لا تجد إنسان على سطح الأرض ، هذا المنعكس آلية بالغة التعقيد تولد مع الإنسان ،
( سورة الإسراء ) .
لذلك بعضهم قال في قوله تعالى أوحى لها معانٍ كثيرة ، قال تعالى :
( سورة الزلزلة ) .
بمعنى أمرها ، فالوحي الذي يوجه إلى المادة وحي أمر ، لكن في قوله تعالى :
( سورة النحل الآية : 68 ) .
النحل يقوم بأعمال بالغة الدقة والتعقيد ، وبالغة الحكمة ، من ألهمها ذلك ؟ إنه الله هذا وحي الغريزة ، وهذا موضوع حديثنا اليوم وحي الغريزة ، فهذا السمك يتحرك من سواحل فرنسا إلى مصبات الأنهار في أمريكا ، إلى رؤوس الأنهار ، بوحي الغريزة ، فالغريزة آلية معقدة جداً ، إذاً هناك وحي أمر ووحي غريزة ، وحينما الله عز وجل :
( سورة القصص الآية : 7 ) .
هذا وحي إلهام .
وحينما قال الله عز وجل :
( سورة الأنعام الآية : 19 ) .
فهذا من وحي جبريل ، فالوحي إذا ارتبط بمخلوق غير الإنسان يعني الغريزة التي يتمتع بها الحيوان ، وهي آليات بالغة التعقيد لا يمكن إلا أن تكون خلقاً من خلق الله عز وجل ، والحيوانات كلها تتحرك بآلية بالغة التعقيد ، إنها الغرائز ، أما الإنسان فكلف أن يتعرف إلى الله ، أعطي فكراً ، وبهذا الفكر تفوق على بقية الحيوانات .
المذيع :
نشكركم طبعاً فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي في نهاية هذه الحلقة لهذا الشرح المستفيض ، والمفيد في آنٍ واحد معاً في هذه المواضيع التي كتبتموها في كتابكم ، وضمنتموها في هذا الكتاب الذي أسميتموه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة .
أيها الإخوة والأخوات إلى حلقة قادمة بإذن الله مع موضوع جديد ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
بسم الله الرحمن الرحيم
( سورة الذاريات ) .
السماء ، البرزخ ، النحل ، الأرض ، ظلمات الفضاء ، الكون ، النمل ، الكواكب ، دقة الإنسان .
التفكر في الخلق والكون
التفكر في الخلق والكون ، حوارات مع الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي أحد علماء دمشق ، يجريها عبد الحليم قباني .
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسولنا الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
إ خوة الإيمان والإسلام ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، الحمد لله الذي منّ علينا بنعمة الإيمان والعافية ، ويسر لنا دراسة العديد من آياته ، فكانت هذه الحلقات التي خصصناها بعلوم الكون التي تطرقت إليها عشرات الآيات القرآنية قبل أن تعرف الإنسانية شيئاً يذكر عن تلك العلوم .
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم يفسر لنا إلا آيات العقيدة والأحكام ، وبعضاً من الآيات العلمية في حقل العلوم المادية ربما ـ والله أعلم ـ التزاماً منه بقول الله سبحانه وتعالى :
( سورة القيامة ) .
شغلني فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق ، والخطيب والمدرس الديني في جوامع دمشق ، شغلني منذ فترة موضوع والتفكر فيه دون قراءة أمر صعب ، فاللإنسان طبيب وأدوية تداويه من أمراضه ، ولكن من هو الطبيب
للحيوانات ؟ مَن صنّفها ونوّعها كالأسماك مثلاً ، إلا أنني وجدت في كتابكم موضوعاً لفت نظري ، وهو تحت عنوان " السمكة الطبيبة " ، نتمنى أن تحدثنا عن هذا الموضوع .
الأستاذ :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ عبد الحليم ، اكتشاف السمكة الطبيبة له قصة ، فقد كان أحد علماء البحار يركب غواصة أبحاثٍ تحت سطح البحر ، من النافذة لفت نظره سمكة كبيرة خرجت من سربها ، واتجهت إلى سمكة صغيرة ، فتصوّر كما هي العادة أن هذه السمكة الكبيرة توجهت إلى الصغيرة لتأكلها ، ولكنه وجد أنها وقفت إلى جانبها ، وبدأت السمكة الصغيرة تأكل من حراشف الكبيرة ، سجل هذه الظاهرة ، وهنا بداية هذا البحث ، بعد عشرة أعوام تقريباً اكتشفت حقيقة رائعة ، هي أن هذه السمكة الصغيرة متخصصة في علاج أمراض الأسماك كلها ، وكأن عهداً وميثاقاً غير مكتوب بين أسماك البحر يقرر أن هذه السمكة الصغيرة المتخصصة في مداواة أمراض السمك الخارجية لا ينبغي أن تؤكل ، لذلك أجريت بحوث كثيرة ، وتتبع العلماء مواطن هذا السمك الذي أعطوه اسماً خاصاً ، هذا السمك جعل الله عز وجل غذاءه على التقرحات والانتانات والطفيليات والفطريات التي تتوضع على حراشف الأسماك الكبيرة ، فالأسماك الكبيرة تتجه إليها لتعالجها من أمراضها ، وكأن هناك عرفاً وامتناناً ، كيف أن سيارات الإسعاف إذا رسم على سقفها الهلال الأحمر ، معنى ذلك أن تكون هذه السيارة في مأمن من القصف الجوي ، لأنها تقوم بمهمة إنسانية ، تماماً في عالم البحار ، هذه السمكة الصغيرة التي جعل الله غذاءها على تقرحات الأسماك وإنتانات حراشفها والطفيليات والفطريات ، وكأن هناك عرفاً في هذه البحار أن هذه السمكة الصغيرة لا تؤكل لأنها طبيبة وتقوم بمهمة إنسانية .
إن في بعض الحالات الغريبة التي سجلت وصوِّرت أن سمكة كبيرة كانت تشكو قرحة في فمها ، فإذا بها قد فتحت فمها ودخلت هذه السمكة الممرضة الطبيبة آمنة مطمئنة لتعالجها من هذه القروح ، وفي الوقت نفسه هاجمت هذه السمكة التي تعالج هاجمتها سمكة أكبر منها لتأكلها ، فما كان منها من السمكة المعالجة ، وفي فمها سمكة طبيبة ، إلا أخرجت هذه السمكة التي تعالجها وولّت هاربة .
( سورة طه ) .
ما هذا العرف ؟ ما هذا العقد الذي بين الأسماك ؟ ما هذا الميثاق ؟ ما هذا القانون المتبع في كل أنحاء البحار ؟ إن هذه السمكة التي خلقها الله مزودة بمنقار دقيقٍ دقيق يصل إلى أدق الثنايا ، وإن جهازها الهضمي يتقبل الفطريات والتقرحات والإنتانات ، وما شاكل ذلك ، وهو غذاء لها ، وإن هذه الأسماك الكبيرة تتجه إليها حينما تشكو من تقرحات بسبب ما يحدث بين الأسماك من احتكاك ، أو من معارك أحياناً .
أستاذ عبد الحليم ـ جزاك الله خيراً ـ الشيء الذي يلفت النظر أنه إذا كثرت هذه الأسماك أمام السمكة الصغيرة صفت بعضها وراء بعض ، وكأنها في نسق فيه نظام ، وفيه تحضر ، ليس هناك ازدحام ، ولا تزاحم ، ولا تدافع ، ولا سباب ، وقفت هذه الأسماك الكبيرة وقد سجلت هذه الصورة بضع عشرات من الأسماك تقف وراء بعضها بعضاً تنتظر دورها في المعالجة ، وقد تستغرق المعالجة دقيقة أو أكثر ، وتنصرف إلى سبيلها .
( سورة لقمان الآية : 11 ) .
مليون نوع من السمك من أعلمهم جميعاً أن هذه السمكة الطبيبة لا تؤكل ، ولا يعتدى عليها ، لأنها تقوم بمهمة نبيلة ، من أعلمها ؟ هل هذه الأسماك عاقلة ؟ إذاً هذه آية من آيات الله الدالة على عظمته .
نحن مكلفون بأمر تكليفي أن نتعاون ، لكن الأسماك بأمر تكويني تتعاون ، الإنسان مخير هو والجنّ .
( سورة الذاريات ) .
فنحن إذا كان هناك خلل في حياتنا لأن أمر اللهِ لنا أمر تكليفي ، أما بقية المخلوقات فمسيَّرون بأمر تكويني ، وهذا من عظمة المنهج الإلهي الذي بينه لنا النبي عليه الصلاة والسلام .
المذيع :
صلى الله عليه وسلم ، فضيلة الدكتور محمد ، ما دمنا قد بدأنا في حديثنا ، وفي هذه الحلقة بالذات عن السمك ، وبدأنها بالسمكة الطبيبة ، أيضاً رأينا من المواضيع الهامة التي تكلمنا عنها ، وكتبتم فيها عن سمك السلمون ، وحركة هذا السمك .
الأستاذ :
لعلنا في حلقة سابقة تحدثنا أنه حتى هذا التاريخ لم يستطع العلم أن يقدم تفسيراً لهجرة الطيور ، فهي تنتقل من شمال الأرض إلى جنوبها لمسافات تزيد على 17 ألف كيلومتر ، ولا أحد يعلم حتى الآن كيف تهتدي هذه الطيور إلى أهدافها ، كل النظريات التي وضعت تفسيراً لاهتدائها لم تؤيد إطلاقاً بالدليل القوي ، فكل هذه الفرضيات ليست كافية لتفسير حركة الطيور ، واليوم نتحدث عن سمك السلمون ، وفيه أيضاً من هذا النوع تدل على عظمة الله عز وجل ، هذا السمك ، سمك السلمون له اسم آخر ، هو حوت سليمان ، هذه الأسماك حيرت العلماء ، بل عدُّوا هذا من المعجزات ، ولا تفسير لها إلا في ضوء القرآن ، لا تفسير لحركتها بين أقاصي الدنيا وبين أطرفها إلا بما قال الله عز وجل :
( سورة طه ) .
هذه الأسماك أسماك السلمون تولد في رؤوس الأنهار في أمريكة ، وأعني برؤوس الأنهار منابع الأنهار ، وتهاجر من هذه المنابع إلى مصباتها ، بعض هذه الأنهار كالأمازون كثافته في الثانية الواحدة 300 ألف متر مكعب ، بعض هذه الأنهار طويلة جداً ، مثل المسيسبي ، بعض هذه الأنهار غزيرة جداً كالأمازون ، فهذه أسماك السلمون تولد في رؤوس الأنهار ، أي في ينابيع الأنهار ، وتهاجر من هذه المنابع إلى مصبات الأنهار ، ومن مصباتها إلى نهاية المحيط الأصلي ، إلى شواطئ أوربا الغربية ، أي إلى سواحل فرنسا مثلاً ، ثم تعود هذه الأسماك من سواحل فرنسا إلى مصبات هذه الأنهار ، ثم إلى مكان ولادتها .
أستاذ عبد الحليم ، رُباّن يحمل دكتوراه في قيادة السفن ، معه أجهزة ، ومعه وسائل ، ومعه اتصالات ، معه بوصلة ، ومعه كل وسائل الإرشاد ، ومع ذلك قد يضل الطريق ، هذه سمكة في أعماق البحار تتجه من فرنسا إلى الغرب إلى أمريكا ، لو أخطأت في حركتها بزاوية واحدة لكانت في نهر ، وانتقلت إلى نهر آخر ، لو أخطأت في ثلاث درجات لجاء هدفها من شمال أمريكا إلى جنوب أمريكا ، هنا الآية المعجزة ، فهذه الأسماك تعود من سواحل فرنسا مثلاً إلى مصبات هذه الأنهار ، وإلى مكان ولادتها ، ولا يظن أن هذا كلام ، إن في هذا بحوثاً استغرقت عشرات السنين ، وهناك مركز بحوث وضع في الأنهار ، أحصى مليوني سمكة من نوع السلمون تعود إلى مسقط رأسها كل يوم ، من أين أتت ؟ من سواحل الأطلسي من سواحل فرنسا ، تعود إلى مسقط رأسها كل يوم ولمدة شهرين ، وكان بعض العلماء قد وضع عليه قطعة معدنية فيها تاريخ هجرته ، فلما عاد عرفوا مدة الرحلة .
أما السؤال الكبير الذي يحير العقول : كيف يستطيع هذا السمك أن يرجع من المحيط الأطلسي إلى مصب النهر ومنبعه ؟
مثلاً من باب الموازنة : طير في بيروت ، في أحد أحيائها ، في بيت عربي ، له عش في سقف هذا البيت ، يتجه من بيروت إلى جنوب إفريقيا ، في طريق العودة يعود إلى البيت الذي خرج منه ، لو أخطأ في الزاوية زاوية واحدة لأتى في بغداد .
السلمون هذا السمك فيه دقة بالغة جداً كالدقة البالغة التي عند الطيور ، لو أتينا بأحد علماء البحار ، وأركبناه قارباً ، وله عينان مبصرتان ، وقلنا له : اتجه ، وأنت على هذا القارب إلى مصب الأمازون ، هذا الإنسان العاقل المفكر لو كان عالماً كبيراً في علم البحار لا يستطيع أن يصل إلا بالخرائط والإحداثيات والاتصالات اللاسلكية ، وعناء كبير ، وأشياء كثيرة ، أما السمكة في باطن البحر وفي أعماقه ، لو أنها حاذت في زاوية انطلاقها درجة واحدة لجاءت في نهم آخر ، لو أنها حاذت ثلاث درجات لتغير مكان اتجاهها من أمريكا الشمالية إلى الجنوبية ، فكيف تستطيع هذه السمكة ، وهي لم تؤتَ ما أوتي الإنسان أن تعود من سواحل فرنسا إلى مصب النهر التي خرجت منه ، ثم تتابع سيرها في النهر نفسه ؟ وقد تصعد الشلال ، وهناك صور دقيقة أخذت لسمك السلمون ، وهو يصعد الشلال ليعود إلى مسقط رأسه ، فتولد وتموت هناك ، يجب أن تموت في مسقط رأسها ، قال تعالى :
وقوله تعالى :
( سورة الأعلى ) .
هذا يذكرني بآلية بالغة التعقيد تولد مع الغلام الصغير ، سماها العلماء منعكس المص ، لا يستطيع أب في الأرض أن يعلم ابنه الذي ولد لتوه كيف يمص الحليب من ثدي أمه ، طبعاً مستحيل وألف ألف مستحيل أن يستطيع أب أن يعلم ابنه كيف يلتقم ثدي أمه ، وكيف يسحب الحليب منه ، ينبغي أن يقول له لو أنه كبير وعاقل : ينبغي أن تحكم وضع شفتيك على حلمة ثدي أمك ، أن تحكم الإغلاق ، ثم أن تسحب الهواء ، فيأتي معه الحليب ، لولا أن هذا المنعكس ، مع كل طفل يولد لتوه لا تجد إنسان على سطح الأرض ، هذا المنعكس آلية بالغة التعقيد تولد مع الإنسان ،
( سورة الإسراء ) .
لذلك بعضهم قال في قوله تعالى أوحى لها معانٍ كثيرة ، قال تعالى :
( سورة الزلزلة ) .
بمعنى أمرها ، فالوحي الذي يوجه إلى المادة وحي أمر ، لكن في قوله تعالى :
( سورة النحل الآية : 68 ) .
النحل يقوم بأعمال بالغة الدقة والتعقيد ، وبالغة الحكمة ، من ألهمها ذلك ؟ إنه الله هذا وحي الغريزة ، وهذا موضوع حديثنا اليوم وحي الغريزة ، فهذا السمك يتحرك من سواحل فرنسا إلى مصبات الأنهار في أمريكا ، إلى رؤوس الأنهار ، بوحي الغريزة ، فالغريزة آلية معقدة جداً ، إذاً هناك وحي أمر ووحي غريزة ، وحينما الله عز وجل :
( سورة القصص الآية : 7 ) .
هذا وحي إلهام .
وحينما قال الله عز وجل :
( سورة الأنعام الآية : 19 ) .
فهذا من وحي جبريل ، فالوحي إذا ارتبط بمخلوق غير الإنسان يعني الغريزة التي يتمتع بها الحيوان ، وهي آليات بالغة التعقيد لا يمكن إلا أن تكون خلقاً من خلق الله عز وجل ، والحيوانات كلها تتحرك بآلية بالغة التعقيد ، إنها الغرائز ، أما الإنسان فكلف أن يتعرف إلى الله ، أعطي فكراً ، وبهذا الفكر تفوق على بقية الحيوانات .
المذيع :
نشكركم طبعاً فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي في نهاية هذه الحلقة لهذا الشرح المستفيض ، والمفيد في آنٍ واحد معاً في هذه المواضيع التي كتبتموها في كتابكم ، وضمنتموها في هذا الكتاب الذي أسميتموه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة .
أيها الإخوة والأخوات إلى حلقة قادمة بإذن الله مع موضوع جديد ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .