''مازال الوقت مبكرا''غمغمت في تردد.. امتدت أصابعها لتشغيل ذلك الجهاز الذي أمامها بعد تفكير
بدأت تتصفح أركانها المفضلة على تلك الشاشة العريضة لتهدي قراءها باقات من الكلمات التي ينزفها قلبها بكل عناية
لكنها لم تستطع أن تستلهم حزنها هذه الليلة شعرت وكأن الحروف قد تساقطت من ذاكرتها المثقوبة...!!
أطفأت جهاز الحاسوب بعد أن سحبها أنين تلك اللحظات مرة أخرى لتتذكر أنها وحيدة ككل مرة تقوم فيها
بآخرأدوارها لذلك اليوم بعد أن يأوي ذلك العصفور لفراشه...
ليستْ وحيدة فقط ولكنها أيضا غريبة في دنياها وفي ذلك الوطن الذي زرعوها فيه
وتركوها فوق أرضه ولا تملك قرار مغادرته ولا حتى البقاء فيه..!
أشياء كثيرة تجعلها تبقى فيه وأشياء أكثر تجعلها تريد الرحيل عنه؟
لازالت تذكر كلما غادرته في أجازة قصيرة كيف تحن للعودة إليه وكيف تتنفس الصعداء
عندما تطأ أقدامها أرضه وتشاهد علمه يرفرف معلنا انتصاره عليها فقد عادت إليه مرة أخرى..
هذا الوطن تعيش فيه وذلك يعيش فيها ذلك الذي نسجت فوق أرضه أولى أحلامها وشهد نكباتها وتوج انتصاراتها..
لقد ملت من السير بين تلك الدروب المتشابكه في حياتها دون أن تملك حق الإختيار
تعاركت الأشياء بداخلها جابت أرجاء البيت من ركن لركن ومن غرفة لأخرى
لم تجد من يحتوي تلك الأشياء المتصارعة في جوفها لا شيء سوى أنين الفراغ والوحدة وبرودة الغربة
تحركت بتثاقل لتستقر في غرفتها انسحبت تحت الفراش وهي تطلق تنهيدة عميقة
سحبت الغطاء فوق رأسها وكأنها تختبئ من بركان يعلن عن ثورة
ويهددها بالإنفجاربوحشيه ليدمر دواخلها لم تستطع أن تلبث مطولا تحت الغطاء أشعلت النور من جديد
أمسكت قلما ومذكرة كانت تخزنهما تحت وسادتها ,
وبدأت تكتب محاولة تهدئة تلك البراكين والزلازل القادمة من الداخل:
<< ليته كان بامكاننا اختيار أقدارنا كما نختار ألبستنا وأطعمتنا بكل عناية..
ليتنا بلا ذاكرة لكي لا نعاود رؤية - من سقطوا من حياتنا سهوا أو عمدا - بدواخلنا لكي لا يعذبنا الحنين والاشتياق لهم،
ليتنا بلا ذاكرة لكي لا نعيش كل هذا التيه بين خيبة الأمل وانكسار الحلم على أرض قاسية ..
رباااااه هل الأحلام هي من تكذب علينا عندما تنسج خيوطها بمخيلاتنا في مناماتنا وصحواتنا
أم نحن من نظلمها عندما نفترش بها بساط الأمل وفي الأخير تبقى معلقة على أرض اللاواقع أو تعلن انكسارها ونصير
كمن يحاول إيقاد شمعة في مهب الريح....>>
توقفت عن الكتابة بعدما تأكدت أن ذلك الورق لن يمنحها الإجابة عن أسئلتها
ولا يستطيع أن يواسيها ويحتضن تلك الصراعات بداخلها ,
لا شيء يستطيع أن يوقف ثورة ذلك البركان ..! ألقت بذلك القلم في جهة وبتلك المذكرة في الجهة الأخرى..
أمسكت بالفراش بكلتا يديها تمتصه بشفتيها المرتجفتين محاولة امتصاص غضبها ولكنه أبى ذلك الزلزال إلا أن
يزعزعها إستسلمت لذلك الضجيج بداخلها وازدحام الذكريات ففتحت خزان الذاكرة وتركت السبيل لفضيان الدمع للإنهمار;
دفنت وجهها في وسادتها في استسلام تام وقد خارت قواها من كثرة النحيب ..
رفعت رأسها بعدما شعرت بأصابع تعبث بشعرها وكأن صاحبها يستعطفها لتكف عن البكاء;
لتتذكر أنها ليست وحيدة فرفعت رأسها لتجد ذلك الصغير مذعورا وفي عينيه سؤال لما يجري
نهرته بصوت مبحوح : ألم تنم بعد ؟
ألا تعرف أنك ستستيقظ مبكرا ؟
طأطأ رأسه وقال في نبرة باكية : ولكنني لم أستطع النوم بسبب أنينكِ ماما
انتفضت واقفة لتحضنه في خجل من نفسها : آسفة حبيبي رأسي كان يؤلمني بشدة
قال ببراءة: دعيني إذن أنام معكِ ليطيب ألم رأسك
غمرت وجهها ابتسامة فخر وقررت أن تمارس طقوس الحياة و تستنشق رذاذ الأمل
فكلما نظرت في عينيه البريئتين وكلما تأملت وجهه الصغير يفاجئها بكلام كبير....