بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده
ونستعينه ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا
مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
بعد ان اتممنا في الموضوع السابق سبب من اسباب الضلال
وهو الظن ..اليوم ...نكمل سبب اخر من اسبـــاب الضلال
وهو
السبب الثاني
من أسباب الضلال هو (التقليد)
"""""""""""""""""""""""
ولما كان الظن بتلك الصورة الواضحة والمكشوفة لا
ينفع بشيء فقد احتالوا لظنونهم وألبسوها ثوب آخر لعلها تقبل،
فقالوا إنما نحن مقلدون لمن سبقنا ومنهم من لا يصرح بذلك بل يقول
نسلم فهمنا لفهم السلف, ولم يكفهم أن أوقعوا أنفسهم في ضلال
التقليد بل وأوجبوه على غيرهم واعتبروا من لم يقلد ضال, وذلك
بقولهم (من لم يسلم فهمه للسلف فإنما هو ضال) .
وكعادتهم دائم لا بد أن يقدموا لهذا النهج
بمقدمات-كالسراب يحسبه الضمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئ-
فقالوا إن السلف قد أفرغوا وقتهم وجهدهم لمعرفة الحق والصواب,
ونحن عيال عليهم ولم يترك السابق للحق فضل وقالوا أنهم أهل تقى
وورع, فنحن بهم مقتدون فنسلم فهمنا لفهمهم .تلك هي المقدمات وغيرها
مثلها, وهي لا تصمد أمام سؤال واحد بل تراها كهشيم تذروه الرياح,
واسألوهم إن كانوا يعقلون...ما أدراكم أن سلفكم قد اهتدوا؟ وبأي
حجة حكمتم بعصمتهم؟ وبأي مقياس عرفتم الهدى وأنتم المقلدون ..!؟
فصاروا لا يحيطون بأي علم , كيف وقد وضعوا أنفسهم في مرتبة حقيرة-
مرتبة التقليد- فحقروا أنفسهم وعقولهم , فأنى يأتوكم بدليل وهم
المقلدون الذين لا يفهمون إلا بفهم غيرهم ... ! ولكننا نكفيهم مشقة
البحث فنقول :
إن التقليد الذي هو سبب الضلال هو اتباع أي واحد
في الدين غير الرسول
(ص)
بغير برهان , وذلك حكم الله في التقليد, قال تعالى (وإذا قيل لهم
اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان
آباؤهم لا يعقلون شيئ ولا يهتدون )[البقرة:170] وقال تعالى (
وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما
وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئ ولا
يهتدون)[المائدة:104] وقال تعالى (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل
الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم
إلى عذاب السعير)[لقمان:21] وقال سبحانه وتعالى (أم آتيناهم كتاب
من قبله فهم به مستمسكون * بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا
على آثارهم مهتدون * وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا
قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون *
قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم
به كافرون)[الزخرف:21-24] فقد بين الله بهذه الآيات وأمثالها كثيرة
أن سبب ضلالهم اتباع آبائهم بغير حجة, وليس آباؤهم حجة, إلا أنهم
قالوا- ظن منهم - أنهم أفهم منهم وأعلم , فهم وجدوهم على دين
فظنوا أن الله أراده منهم .
وهذا هو شأن كل الأمم, فما من أمة تضل بعد نبيها
إلا ونسبت ذلك الضلال إليه, كما قال تعالى (وإذا فعلوا فاحشة قالوا
وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء
أتقولون على الله ما لا تعلمون)[الأعراف:28] فكل من ضل إنما ينسب
ذلك الضلال لنبيه بحيث يقول أن ما هو عليه لا يخرجه عن دين نبيه,
وحتى لو اعترف أنها مخالفة فلا يعترف أنها خروج على دين نبيه,
فهاهم اليهود والنصارى يزعمون أنهم على دين أنبيائهم مع اعترافهم
أنهم مخالفين في البعض, ولكن يزعمون أن المخالفة لا تخرجهم عن دين
أنبيائهم وأن الدين الذي أتى به نبيهم يسع الطائع والعاصي جميع
ما دام قد قبل اسم الملة التي هو فيها,وهكذا كانت هذه الأمة وصدق
الرسول(ص)
حيث قال (لتتبعن سنن من كان قبلكم ... الخ ) فهاهم يقولون أن
دين محمد يسع الطائع والعاصي جميع, وأن هذا هو الدين الذي جاء به
محمد , ولئن سألتهم البرهان لقالوا هذا ما وجدنا عليه آباءنا- أي:
سلفنا- وإن اختلفت العبارة فالمعنى واحد لا يختلف .
بل نجد أن الله قد قصر الإتباع على ما أنزل , حيث
قال (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء
قليلا ما تذكرون)[الأعراف:3] فقد أمرنا الله باتباع ما أنزل ونهانا
عن غيره, ولم ينـزل الله التقليد بأي صورة من صوره, فمن اتبع غير
ما أنزل الله فقد اتبع ما نهى الله عنه, وهذا من أقطع الأدلة على
تحريم التقليد, وقال تعالى (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها
وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينـزل به
سلطان وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون )[الأعراف:33] وقال (ولا
تقْف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه
مسئولا)[الإسراء:36]والاقتفاء هو الاتباع، فقد حرم الله القول
بغير علم وحرم الاتباع بغير علم, والمعلوم أن التقليد ليس علم أي
التسليم لفهم أي واحد من الناس من السلف أو غيرهم .
وقال تعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم
يأذن به الله)[الشورى:21] والشركاء هم الأرباب, فمن قال في الدين
بغير إذن من الله فقد شرع شرع لم يأذن به الله, ومن تلقى منه ذلك
الشرع فقد جعله ند لله, وقال تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم
أرباب من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إله
واحد لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون)[التوبة:31]وقد روى أحمد
والترمذي بسند صحيح حققه الألباني وصححه, أن عدي بن حاتم الطائي...
دخل على الرسول(ص)
فتلا عليه هذه الآية فقال يا رسول الله لم نكن نعبدهم, قال(ص)
ألم يحلوا لكم الحرام ويحرموا عليكم الحلال فاتبعتموهم ؟
قال:بلى, قال فتلك عبادتكم إياهم) .
وهذا يتوفر في هذه الأمة, فكل من حكم الله عليه
بالكفر أو بالشرك أو نفى عنه الإيمان,وجاء رجل يقول ليس بكافر
وإنما هو مسلم, قد أحل للمسلمين تزويجه وحبه وولاءه وتوريثه وغير
ذلك مما هو للمسلم وحرم عليهم أن يعاملوه معاملة كافر,وبهذا أحل
الحرام وحرم الحلال وما أكثر ذلك في هذه الأمة, وصدق الرسول(ص)
إذ قال(لتتبعن سنن من كان قبلكم...الخ) ماذا فعلوا؟
والجواب(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباب من دون الله) بتحليل
الحرام وتحريم الحلال وتحريف الكلم عن مواضعه ليوافق ذلك التحليل
والتحريم ، حتى أصبح من سماه الله ورسوله كافر مشرك- لعمل ما-
عندهم مسلم، وكذا لا يؤمن عندهم مؤمن، وكذا ليس مؤمنا عندهم
مؤمن,وكذا من سماه الرسول منافق خالص صار عندهم مسلم,
وحتى من أخبر الرسول أنه لا يدخل الجنة يدخلها, ومن قال
(ص)
أنه سوف يخلد في النار يخرج منها ويدخل الجنة .
ولنا أن نسأل هؤلاء المقلدين الذين يسلمون فهمهم
لغيرهم بعض الأسئلة :
أول:
لماذا تقلدون فهم فلان وفلان ؟ ومهما ذكروا له من فضائل فإن الرسول
خير منه، وأبين منه ،وأتقى منه وأعلم منه وأخشى لله منه وأشجع منه
وهو الذي كلف بالبيان ومر جميع الناس بالاقتداء به .
ثاني:
هل تجزمون بحسن نيتهم وتسلمون فهمكم إلى فهمهم؟ فإن قالوا نعم,
فقد أعطوا أنفسهم ما لا يكون إلا لله وحده وهو معرفة ما في القلوب,
وإن قالوا لا نقطع بحسن نيتهم, وجب عليهم ترك المصدر الذي يحتمل
فيه سوء النية, وأما الرسول
(ص)
فنحن نجزم بحسن نيته .
ثالث:
نقول لهم, لو كان واجب تقليد من تقلدونهم وتسليم فهمنا لهم,
لكانت كل كتبهم محفوظة لأن الدين لا يقوم إلا بها, والحقيقة غير
ذلك أن أكثرها ضاعت وحرقت وأغرقت, واسألوا نهر دجلة إن كان ينطق,
والمتبقي منها متناقض كل ضد الآخر وهذا مستحيل في دين الله,
فمئات المسائل مختلفون فيها وهذا شيء لا ينكر .
رابع:
نسألهم, يا من أوجبتم التقليد وتسليم فهمكم للغير باليقين، السلف
الذين أوجبتم تقليدهم , وتسليم فهمكم إلى فهمهم مختلفون, فهل
توجبون تقليد واحد بعينه أو طائفة بعينها,فإن قلتم ذلك فهذا عين
التحكم إذ لا فرق بين واحد وآخر وبين طائفة وأخرى, وإن قلتم نجيز
مطلق التقليد بمعنى الجميع, فقد أجزتم تقليد المبطلين لأنه لا بد
أن يكون أحدهما محق والآخر مبطل,ثم إنكم أقررتم ضمن بصدق كل قول
وحكم عليكم إذ لم تتفق الأمة على جواز التقليد, ونحن ممن اتبع
الحق فلم يجيز التقليد وقال بضلال المقلدين وقد سبقنا كثير في كل
عصر,فعليكم بأن تسلموا لنا بأنكم ضالون مشركون, فإن سألتمونا
البرهان نقضتم قولكم وهدمتم مذهبكم, وإن سلمتم فقد شهدتم على
أنفسكم،وكفى بكم شهداء على أنفسكم, وإن جادلتم فلستم مجتهدين ولسنا
في الحقيقة وعلى حسب مذهبكم ضالين لأننا مجتهدون .
ولننظر إلى قوله تعالى (ولقد آتينا بني إسرائيل
الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين
* وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم
بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون
* ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا
يعلمون)[الجاثية:16-18] وأكبر شاهد في هذه الآية أن الله أمر رسوله
باتباع شرعه الذي شرعه له فقط, ونهاه عن غيره, وأعلمه بأن غير شرعه
الذي شرعه له أهواء بغير علم, هذا رسول الله وغيره من باب أولى ,
وهذه الآية من ضمن الآيات التي تحرم الاتباع بغير علم .
وأزيدك في هذا الأمر مسألة,وهي أن الله سبحانه لم
يتعبدك إلا بفهمك, حيث قال (لا يكلف الله نفس إلا
وسعها)[البقرة:286] وقال(لا يكلف الله نفس إلا ما
آتاها)[الطلاق:7] فقد صح أن الله لم يتعبدك إلا بفهمك وأن الذين
قالوا تسلم فهمك لغيرك مخطئون يأمرونك بالمستحيل,إذ أن تسليم فهمك
لواحد مخالفة للآخر فيستحيل أن تسلم فهمك للجميع ، وما كان سبب
ضلال جميع الطوائف إلا أن كل طائفة تقيدت بفهم سلفها ظن منها أن
سلفها هم الأفهم والأعلم .
وقد بين الله عاقبة المقلد حيث قال (إذ تبرأ الذين
اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب,وقال
الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا كذلك
يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار
)[البقرة:167,166] .
و السلام عـــــليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله نحمده
ونستعينه ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا
مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
بعد ان اتممنا في الموضوع السابق سبب من اسباب الضلال
وهو الظن ..اليوم ...نكمل سبب اخر من اسبـــاب الضلال
وهو
السبب الثاني
من أسباب الضلال هو (التقليد)
"""""""""""""""""""""""
ولما كان الظن بتلك الصورة الواضحة والمكشوفة لا
ينفع بشيء فقد احتالوا لظنونهم وألبسوها ثوب آخر لعلها تقبل،
فقالوا إنما نحن مقلدون لمن سبقنا ومنهم من لا يصرح بذلك بل يقول
نسلم فهمنا لفهم السلف, ولم يكفهم أن أوقعوا أنفسهم في ضلال
التقليد بل وأوجبوه على غيرهم واعتبروا من لم يقلد ضال, وذلك
بقولهم (من لم يسلم فهمه للسلف فإنما هو ضال) .
وكعادتهم دائم لا بد أن يقدموا لهذا النهج
بمقدمات-كالسراب يحسبه الضمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئ-
فقالوا إن السلف قد أفرغوا وقتهم وجهدهم لمعرفة الحق والصواب,
ونحن عيال عليهم ولم يترك السابق للحق فضل وقالوا أنهم أهل تقى
وورع, فنحن بهم مقتدون فنسلم فهمنا لفهمهم .تلك هي المقدمات وغيرها
مثلها, وهي لا تصمد أمام سؤال واحد بل تراها كهشيم تذروه الرياح,
واسألوهم إن كانوا يعقلون...ما أدراكم أن سلفكم قد اهتدوا؟ وبأي
حجة حكمتم بعصمتهم؟ وبأي مقياس عرفتم الهدى وأنتم المقلدون ..!؟
فصاروا لا يحيطون بأي علم , كيف وقد وضعوا أنفسهم في مرتبة حقيرة-
مرتبة التقليد- فحقروا أنفسهم وعقولهم , فأنى يأتوكم بدليل وهم
المقلدون الذين لا يفهمون إلا بفهم غيرهم ... ! ولكننا نكفيهم مشقة
البحث فنقول :
إن التقليد الذي هو سبب الضلال هو اتباع أي واحد
في الدين غير الرسول
(ص)
بغير برهان , وذلك حكم الله في التقليد, قال تعالى (وإذا قيل لهم
اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان
آباؤهم لا يعقلون شيئ ولا يهتدون )[البقرة:170] وقال تعالى (
وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما
وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئ ولا
يهتدون)[المائدة:104] وقال تعالى (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل
الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم
إلى عذاب السعير)[لقمان:21] وقال سبحانه وتعالى (أم آتيناهم كتاب
من قبله فهم به مستمسكون * بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا
على آثارهم مهتدون * وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا
قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون *
قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم
به كافرون)[الزخرف:21-24] فقد بين الله بهذه الآيات وأمثالها كثيرة
أن سبب ضلالهم اتباع آبائهم بغير حجة, وليس آباؤهم حجة, إلا أنهم
قالوا- ظن منهم - أنهم أفهم منهم وأعلم , فهم وجدوهم على دين
فظنوا أن الله أراده منهم .
وهذا هو شأن كل الأمم, فما من أمة تضل بعد نبيها
إلا ونسبت ذلك الضلال إليه, كما قال تعالى (وإذا فعلوا فاحشة قالوا
وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء
أتقولون على الله ما لا تعلمون)[الأعراف:28] فكل من ضل إنما ينسب
ذلك الضلال لنبيه بحيث يقول أن ما هو عليه لا يخرجه عن دين نبيه,
وحتى لو اعترف أنها مخالفة فلا يعترف أنها خروج على دين نبيه,
فهاهم اليهود والنصارى يزعمون أنهم على دين أنبيائهم مع اعترافهم
أنهم مخالفين في البعض, ولكن يزعمون أن المخالفة لا تخرجهم عن دين
أنبيائهم وأن الدين الذي أتى به نبيهم يسع الطائع والعاصي جميع
ما دام قد قبل اسم الملة التي هو فيها,وهكذا كانت هذه الأمة وصدق
الرسول(ص)
حيث قال (لتتبعن سنن من كان قبلكم ... الخ ) فهاهم يقولون أن
دين محمد يسع الطائع والعاصي جميع, وأن هذا هو الدين الذي جاء به
محمد , ولئن سألتهم البرهان لقالوا هذا ما وجدنا عليه آباءنا- أي:
سلفنا- وإن اختلفت العبارة فالمعنى واحد لا يختلف .
بل نجد أن الله قد قصر الإتباع على ما أنزل , حيث
قال (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء
قليلا ما تذكرون)[الأعراف:3] فقد أمرنا الله باتباع ما أنزل ونهانا
عن غيره, ولم ينـزل الله التقليد بأي صورة من صوره, فمن اتبع غير
ما أنزل الله فقد اتبع ما نهى الله عنه, وهذا من أقطع الأدلة على
تحريم التقليد, وقال تعالى (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها
وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينـزل به
سلطان وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون )[الأعراف:33] وقال (ولا
تقْف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه
مسئولا)[الإسراء:36]والاقتفاء هو الاتباع، فقد حرم الله القول
بغير علم وحرم الاتباع بغير علم, والمعلوم أن التقليد ليس علم أي
التسليم لفهم أي واحد من الناس من السلف أو غيرهم .
وقال تعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم
يأذن به الله)[الشورى:21] والشركاء هم الأرباب, فمن قال في الدين
بغير إذن من الله فقد شرع شرع لم يأذن به الله, ومن تلقى منه ذلك
الشرع فقد جعله ند لله, وقال تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم
أرباب من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إله
واحد لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون)[التوبة:31]وقد روى أحمد
والترمذي بسند صحيح حققه الألباني وصححه, أن عدي بن حاتم الطائي...
دخل على الرسول(ص)
فتلا عليه هذه الآية فقال يا رسول الله لم نكن نعبدهم, قال(ص)
ألم يحلوا لكم الحرام ويحرموا عليكم الحلال فاتبعتموهم ؟
قال:بلى, قال فتلك عبادتكم إياهم) .
وهذا يتوفر في هذه الأمة, فكل من حكم الله عليه
بالكفر أو بالشرك أو نفى عنه الإيمان,وجاء رجل يقول ليس بكافر
وإنما هو مسلم, قد أحل للمسلمين تزويجه وحبه وولاءه وتوريثه وغير
ذلك مما هو للمسلم وحرم عليهم أن يعاملوه معاملة كافر,وبهذا أحل
الحرام وحرم الحلال وما أكثر ذلك في هذه الأمة, وصدق الرسول(ص)
إذ قال(لتتبعن سنن من كان قبلكم...الخ) ماذا فعلوا؟
والجواب(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباب من دون الله) بتحليل
الحرام وتحريم الحلال وتحريف الكلم عن مواضعه ليوافق ذلك التحليل
والتحريم ، حتى أصبح من سماه الله ورسوله كافر مشرك- لعمل ما-
عندهم مسلم، وكذا لا يؤمن عندهم مؤمن، وكذا ليس مؤمنا عندهم
مؤمن,وكذا من سماه الرسول منافق خالص صار عندهم مسلم,
وحتى من أخبر الرسول أنه لا يدخل الجنة يدخلها, ومن قال
(ص)
أنه سوف يخلد في النار يخرج منها ويدخل الجنة .
ولنا أن نسأل هؤلاء المقلدين الذين يسلمون فهمهم
لغيرهم بعض الأسئلة :
أول:
لماذا تقلدون فهم فلان وفلان ؟ ومهما ذكروا له من فضائل فإن الرسول
خير منه، وأبين منه ،وأتقى منه وأعلم منه وأخشى لله منه وأشجع منه
وهو الذي كلف بالبيان ومر جميع الناس بالاقتداء به .
ثاني:
هل تجزمون بحسن نيتهم وتسلمون فهمكم إلى فهمهم؟ فإن قالوا نعم,
فقد أعطوا أنفسهم ما لا يكون إلا لله وحده وهو معرفة ما في القلوب,
وإن قالوا لا نقطع بحسن نيتهم, وجب عليهم ترك المصدر الذي يحتمل
فيه سوء النية, وأما الرسول
(ص)
فنحن نجزم بحسن نيته .
ثالث:
نقول لهم, لو كان واجب تقليد من تقلدونهم وتسليم فهمنا لهم,
لكانت كل كتبهم محفوظة لأن الدين لا يقوم إلا بها, والحقيقة غير
ذلك أن أكثرها ضاعت وحرقت وأغرقت, واسألوا نهر دجلة إن كان ينطق,
والمتبقي منها متناقض كل ضد الآخر وهذا مستحيل في دين الله,
فمئات المسائل مختلفون فيها وهذا شيء لا ينكر .
رابع:
نسألهم, يا من أوجبتم التقليد وتسليم فهمكم للغير باليقين، السلف
الذين أوجبتم تقليدهم , وتسليم فهمكم إلى فهمهم مختلفون, فهل
توجبون تقليد واحد بعينه أو طائفة بعينها,فإن قلتم ذلك فهذا عين
التحكم إذ لا فرق بين واحد وآخر وبين طائفة وأخرى, وإن قلتم نجيز
مطلق التقليد بمعنى الجميع, فقد أجزتم تقليد المبطلين لأنه لا بد
أن يكون أحدهما محق والآخر مبطل,ثم إنكم أقررتم ضمن بصدق كل قول
وحكم عليكم إذ لم تتفق الأمة على جواز التقليد, ونحن ممن اتبع
الحق فلم يجيز التقليد وقال بضلال المقلدين وقد سبقنا كثير في كل
عصر,فعليكم بأن تسلموا لنا بأنكم ضالون مشركون, فإن سألتمونا
البرهان نقضتم قولكم وهدمتم مذهبكم, وإن سلمتم فقد شهدتم على
أنفسكم،وكفى بكم شهداء على أنفسكم, وإن جادلتم فلستم مجتهدين ولسنا
في الحقيقة وعلى حسب مذهبكم ضالين لأننا مجتهدون .
ولننظر إلى قوله تعالى (ولقد آتينا بني إسرائيل
الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين
* وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم
بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون
* ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا
يعلمون)[الجاثية:16-18] وأكبر شاهد في هذه الآية أن الله أمر رسوله
باتباع شرعه الذي شرعه له فقط, ونهاه عن غيره, وأعلمه بأن غير شرعه
الذي شرعه له أهواء بغير علم, هذا رسول الله وغيره من باب أولى ,
وهذه الآية من ضمن الآيات التي تحرم الاتباع بغير علم .
وأزيدك في هذا الأمر مسألة,وهي أن الله سبحانه لم
يتعبدك إلا بفهمك, حيث قال (لا يكلف الله نفس إلا
وسعها)[البقرة:286] وقال(لا يكلف الله نفس إلا ما
آتاها)[الطلاق:7] فقد صح أن الله لم يتعبدك إلا بفهمك وأن الذين
قالوا تسلم فهمك لغيرك مخطئون يأمرونك بالمستحيل,إذ أن تسليم فهمك
لواحد مخالفة للآخر فيستحيل أن تسلم فهمك للجميع ، وما كان سبب
ضلال جميع الطوائف إلا أن كل طائفة تقيدت بفهم سلفها ظن منها أن
سلفها هم الأفهم والأعلم .
وقد بين الله عاقبة المقلد حيث قال (إذ تبرأ الذين
اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب,وقال
الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا كذلك
يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار
)[البقرة:167,166] .
و السلام عـــــليكم ورحمة الله وبركاته